فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُمُ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْهِجْرَةِ سَبِيلًا، وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْأَوْلَادَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمُ الْوَعِيدُ فَيُحْتَاجُ إِلَى اسْتِثْنَائِهِمْ، وَأَجَابَ فِي الْكَشَّافِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُرَاهِقِينَ مِنْهُمُ الَّذِينَ عَقَلُوا مَا يَعْقِلُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَيَلْحَقُوا بِهِمْ فِي التَّكْلِيفِ، أَقُولُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ ذُكِرُوا تَبَعًا لِوَالِدَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ أَنْ يُهَاجِرُوا بِهِمْ، فَإِذَا كَانَ الْوِلْدَانُ عَاجِزِينَ عَنِ السَّيْرِ مَعَ الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَالِدَانِ عَاجِزَيْنِ عَنْ حَمْلِهِمْ، كَانَ مِنْ عُذْرِهِمَا أَنْ يَتْرُكَا الْهِجْرَةَ مَا دَامَا عَاجِزَيْنِ وَلَا يُكَلَّفَانِ تَرْكَ أَوْلَادِهِمْ.
{فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفَوَ عَنْهُمْ} وَالْإِشَارَةُ بِأُولَئِكَ إِلَى مَنِ اسْتَثْنَاهُمْ مِمَّنْ تَوَعَّدَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْهِجْرَةِ، أَيْ: إِنَّ أُولَئِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا لِلْعَجْزِ وَتَقَطُّعِ الْأَسْبَابِ وَالْحِيَلِ وَتَعْمِيَةِ السُّبُلِ يُرْجَى أَنْ يَعْفُوَ اللهُ عَنْهُمْ وَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِالْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ، وَالْوَعْدُ بِعَسَى الدَّالَّةِ عَلَى الرَّجَاءِ، أَطْمَعَهُمْ تَعَالَى بِالْعَفْوِ، وَلَمْ يَجْزِمْ بِهِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ أَمْرَ الْهِجْرَةِ مُضَيَّقٌ فِيهِ، وَأَنَّهُ لابد مِنْهُ، وَلَوْ بِاسْتِعْمَالِ دَقَائِقِ الْحِيَلِ، وَالْبَحْثِ عَنْ مَضَايِقِ السُّبُلِ، حَتَّى لَا يُخْدَعَ مُحِبُّ وَطَنِهِ بِنَفْسِهِ وَيَعُدُّ مَا لَيْسَ بِمَانِعٍ مَانِعًا، وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّ صِيغَةَ الرَّجَاءِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِ، وَعِلْمَ اللهِ بِتَحْقِيقِ الرَّجَاءِ أَوْ عَدِمِهِ قَطْعِيٌّ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، قَالُوا: إِنَّ عَسَى فِي كَلَامِ اللهِ لِلتَّحْقِيقِ وَلَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْلُبُ الْكَلِمَةَ مَعْنَاهَا فَكَأَنَّهُ لَا مَحَلَّ لَهَا، وَنَقُولُ فِيهَا مَا قُلْنَاهُ فِي لَعَلَّ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهَا الْإِعْدَادُ وَالتَّهْيِئَةُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يُعِدُّهُمْ وَيُهَيِّؤُهُمْ لِعَفْوِهِ، وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِيَارِ التَّعْبِيرِ عَنِ التَّحْقِيقِ بِعَسَى الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَجِّي إِنْ صَحَّ هِيَ تَعْظِيمُ أَمْرِ تَرْكِ الْهِجْرَةِ وَتَغْلِيظُ جُرْمِهِ.
{وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا} أَيْ: وَكَانَ شَأْنُ اللهِ تَعَالَى الْعَفْوُ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ الَّتِي لَهَا أَعْذَارٌ صَحِيحَةٌ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهَا، وَمَغْفِرَتُهَا بِسَتْرِهَا فِي الْآخِرَةِ وَعَدَمِ فَضِيحَةِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{ظَالِمي} حالٌ من ضَمِير {تَوَفَّاهُم} والإضَافة غير محضة؛ إذ الأصْل ظَالِمين أنفسُهِم؛ إلا أنَّهم لما حَذَفُوا النُّون طلبًا للخَفة، واسْم الفَاعِل سواء أُرِيد به الحَالُ أو الاستِقْبَال، فقد يكُون مفصُولًا في المَعْنَى وإن كان مَوْصُولًا في اللَّفْظِ؛ فهو كقوله تعالى: {هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]، و{هَدْيًا بَالِغَ الكعبة} [المائدة: 95]، {ثَانِيَ عِطْفِهِ} [الحج: 9] والتقدير: مُمْطِر لَنَا وبَالِغًا للكَعْبَةِ وثانِيًا عِطْفه، والإضافة في هَذِهِ المَوَاضِع لَفْظِيَّة لا مَعْنَوِيَّة.
وفي خبر إنَّ هذه ثلاثة أوْجُه:
أحدها: أنه مَحْذُوفٌ، تقديُره: إنَّ الذين توفَّاهُم الملائكةُ هَلَكُوا، ويكون قوله: {قالوا فيم كنتم} مبيِّنًا لتلك الجُمْلَةِ المَحْذُوفة.
الثاني: أنه {فأولئك مأواهم جهنم} ودخلت الفَاءُ زائدة في الخَبَر؛ تشبيهًا للموصُول باسم الشَّرْط، ولم تمنع «إنَّ» من ذَلِكَ، والأخْفَش يَمْنَعُه، وعلى هذا فَيَكُون قوله: {قالوا فيم كنتم} إمَّا صفةً لـ {ظَالِمِي}، أو حالًا للملائكة، و{قد} مَعَه مقدَّرَةٌ عند مَنْ يشتَرِط ذلك، وعلى القول بالصِّفَة، فالعَائِد محذوف، أي: ظالمين أنْفُسَهم قَائِلًا لهم المَلاَئِكَة.
والثالث: أنه {قالوا فيم كنتم}، ولابد من تَقْدِيرِ العَائِد أيْضًا، أي: قالوا لَهُم كذا، و{فيم} خَبَرَ {كُنْتُم}، وهي {ما} الاستِفْهَامِيَّة حُذِفَت ألِفُها حين جُرَّتْ، وقد تقدَّم تَحْقِيق ذلك عند قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ الله} [البقرة: 91]، والجُملة من قوله: {فيم كنتم} في مَحَلِّ نَصْبٍ بالقَوْلِ، و{في الأرض} متعلقٌ بـ {مُسْتَضْعَفِين}، ولا يجوز أن يكُون {في الأرْضِ} هو الخَبَر، و{مُسْتَضْعَفِين} حالًا، كما يَجُوز ذلك في نَحْو: «كان زيدٌ قائَمًا في الدَّارِ» لعدمِ الفَائدة في هذا الخَبَر.
قوله: {فتُهاجِرُوا} مَنْصُوبٌ في جَوَابِ الاسْتِفْهَام.
وقال أبو الببَقَاء: {ألَمْ تَكُنْ} استِفْهام بمعنى التَّوْبِيخ، {فتُهَاجِرُوا} مَنْصُوبٌ على جواب الاستفهام؛ لأنَّ النَّفْي صار إثْبَاتًا بالاستفهَام. انتهى.
قوله: لأنَّ النَّفْي إلى آخره لا يَظْهَر تَعْلِيلًا لقوله: مَنْصُوبٌ على جواب الاستِفْهَام؛ لأن ذلك لا يَصِحُّ، وكذا لا يَصِحُّ جَعْلُه عِلّةً لقوله: بمَعْنَى التَّوْبيخ، و{ساءت}: قد تَقَدَّم القول في سَاء، وأنها تَجْرِي مَجْرى بِئْس فيُشْترط في فاعلها ما يُشْتَرَك فَاعِلِ تيك، و{مصيرًا}: تَمْيِيز.
قوله: {لا يستطيعون حيلة} في هذه الجُمْلَة أرْبَعة أوجه:
أحدها: أنَّها مستأنفةٌ جوابٌ لسؤالٍ مقدَّرٍ، كأنه قيل: ما وَجْهُ استِضْعَافِهم؟ فقيل: كذا.
والثاني: أنها حالٌ.
قال أبو البَقَاء: حالٌ مبينَّة عن مَعْنَى الاستِضْعَاف، قال شهاب الدين: كأنَّه يُشِير إلى المَعْنَى المتقدِّم في كونها جَوَابًا لسُؤال مُقَدِّر.
الثالث: أنها مفسِّرةٌ لنفسِ المُسْتَضْعَفِين؛ لأنَّ وجوه الاستِضْعَاف كثيرة، فبيَّن بأحد مُحْتَمَلاته، كأنه قيل: إلا الذين استُضْعِفُوا بسبب عَجْزِهِم عن كذا وكذا.
الرابع: أنها صِفَة للمُسْتَضْعَفِين أو للرِّجَال ومن بَعْدَهم، ذكره الزمخشري، وعبارة البيضاوي أنه صِفَة للمُسْتَضْعَفِين؛ إذ لا تَرْقِية فِيِهِ، أي: لا تعيُّن فيه، فكأنه نكِرةٌ، فَصَحَّ وَصْفُهُ بالجُمْلَة. انتهى ما ذكرنا.
واعتذر عن وصف ما عُرِّف بالألف واللام بالجُمَل التي في حُكم النَّكِرَات، بأن المُعَرَّف بِهِمَا لمَّا لم يكن مُعَيَّنًا، جاز ذلك فيه، كقوله: [الكامل]
وَلَقَدْ أمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي

وقد قَدَّمتُ تَقْرير المَسْألةِ. اهـ. بتصرف يسير.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس. أن ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي السهم يرمي به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل. فأنزل الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة اسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت هذه الآية {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى آخر الآية. قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية وأنه لا عذر لهم فخرجوا، فلحقهم المشركون فاعطوهم الفتنة، فأنزلت فيهم هذه الآية {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله} [العنكبوت: 10] إلى آخر الآية. فكتب المسلمون إليهم بذلك، فحزنوا وأيسوا من كل خير، فنزلت فيهم {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} [النحل: 110] فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجًا فاخرجوا، فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن جرير عن عكرمة في قوله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} إلى قوله: {وساءت مصيرًا} قال: نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبي العاص بن منية بن الحجاج، وعلي بن أمية بن خلف. قال: لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة، خرجوا معهم بشبان كارهين، كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر على غير موعد، فقتلوا ببدر كفارًا ورجعوا عن الإسلام، وهم هؤلاء الذين سميناهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق في قوله: {إن الذين توفاهم الملائكة} قال: هم خمسة فتية من قريش: علي بن أمية، وأبو قيس بن الفاكه، وزمعة بن الأسود، وأبو العاصي بن منية بن الحجاج. قال: ونسيت الخامس.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: هم قوم تخلفوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتركوا أن يخرجوا معه، فمن مات منهم قبل أن يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ضربت الملائكة وجهه ودبره.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان قوم بمكة قد أسلموا، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا، فأنزل الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} إلى قوله: {إلا المستضعفين}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: هم أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلم يخرجوا معه إلى المدينة، وخرجوا مع مشركي قريش إلى بدر، فأصيبوا يوم بدر فيمن أصيب. فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما أسر العباس، وعقيل، ونوفل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افد نفسك وابن أخيك. قال: يا رسول الله ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك؟ قال: يا عباس إنكم خاصمتم فخصمتم ثم تلا عليه هذه الآية {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا}» فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر {إلا المستضعفين} الذين {لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا} حيلة في المال، والسبيل الطريق. قال ابن عباس: كنت أنا منهم من الولدان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: حدثت أن هذه الآية أنزلت في أناس تكلموا بالإسلام من أهل مكة، فخرجوا مع عدو الله أبي جهل، فقتلوا يوم بدر فاعتذروا بغير عذر، فأبى الله أن يقبل منهم، وقوله: {إلا المستضعفين} قال: أناس من أهل مكة عذرهم الله فاستثناهم. قال: وكان ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية: نزلت هذه الآية فيمن قتل يوم بدر من الضعفاء، في كفار قريش.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال «لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وظهروا ونبع الإيمان نبع النفاق معه فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال فقالوا: يا رسول الله لولا أنا نخاف هؤلاء القوم يعذبونا، ويفعلون ويفعلون لأسلمنا، ولكنا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فكانوا يقولون ذلك له، فلما كان يوم بدر قام المشركون فقالوا: لا يتخلف عنا أحد إلا هدمنا داره، واستبحنا ماله. فخرج أولئك الذين كانوا يقولون ذلك القول للنبي صلى الله عليه وسلم معهم، فقتلت طائفة منهم وأسرت طائفة، قال: فأما الذين قتلوا فهم الذين قال الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية كلها {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} وتتركوا هؤلاء الذين يستضعفونكم {أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا} ثم عذر الله أهل الصدق فقال: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا} يتوجهون له لو خرجوا لهلكوا {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} اقامتهم بين ظهري المشركين.
وقال الذين أسروا: يا رسول الله انك تعلم انا كنا نأتيك فنشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأن هؤلاء القوم خرجنا معهم خوفًا؟ فقال الله: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم ويغفر لكم} [الأنفال: 70] صنيعكم الذي صنعتم خروجكم مع المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم. {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل} [الأنفال: 71] خرجوا مع المشركين فأمكن منهم»
.